قال رئيس الجمعية الفلكية الأردنية عمار السكجي إن هواة الفلك وعشاق السماء يستقبلون عام 2026 بحدث مميز يزين سماء الأردن، حيث يكتمل "البدر العملاق" الأول لهذا العام يوم السبت الموافق 3 كانون الثاني عند الساعة 1:03 ظهرًا بتوقيت الأردن.
وأشار إلى أن هذا القمر يشكّل فاتحة لسلسلة من ثلاثة أقمار عملاقة ستظهر خلال العام نفسه، إذ سيتكرر المشهد في 24 تشرين الثاني و24 كانون الأول.
وأوضح السكجي أن ظاهرة البدر العملاق تحدث عندما يكتمل القمر في مداره حول الأرض بالقرب من نقطة "الحضيض"، وهي النقطة الأقرب إلى الأرض، ما يجعله يبدو أكبر وأكثر سطوعًا من المعتاد.
"بدر الذئب": أصغر الأقمار العملاقة
وبيّن أن المسافة بين "بدر الذئب" المرتقب وكوكب الأرض ستصل إلى نحو 362,312 كيلومترًا، لافتًا النظر إلى أن القمر سيمر في نقطة الحضيض عند الساعة 9:43 من مساء يوم الخميس الأول من كانون الثاني 2026، أي قبل يوم ونصف اليوم تقريبًا من اكتماله التام، وأضاف أنه ورغم تصنيفه بدرًا عملاقًا، إلا أنه سيكون الأصغر والأقل لمعانًا مقارنة بالأقمار العملاقة الأخرى في عام 2026، إذ يبلغ قطره الظاهري نحو 28.98 دقيقة قوسية.
وأشار السكجي إلى أن لحظة اكتمال البدر ستكون والقمر لا يزال تحت الأفق بالنسبة للأردن والشرق الأوسط، إلا أن المشهد سيكون لافتًا عند الغروب والشروق، إذ يغرب البدر العملاق صباح السبت عند الساعة 6:39، ويشرق مجددًا مساء السبت عند الساعة 5:42، قبل أن يغرب مرة أخرى صباح الأحد عند الساعة 7:44، داعيًا هواة الفلك والتصوير الفلكي إلى اختيار خلفيات أثرية وسياحية وطبيعية لالتقاط صور أيقونية لهذا البدر.
13 بدرا في العام الجديد
وأضاف أن التقويم الفلكي لعام 2026 سيسجل ظهور 13 بدرًا بدلًا من 12، ما ينتج عنه ظاهرة "القمر الأزرق" في شهر أيار 2026 نتيجة تزامن وجود بدرين في شهر ميلادي واحد، موضحًا أن هذا المصطلح لا يصف لون القمر، بل يُعد تسمية فلكية ثقافية تشير إلى ندرة هذا التكرار الشهري.
وأكد السكجي أن ظاهرة البدر العملاق تُعد حالة نسبية تحدث عندما يكون القمر في أقرب 90% من نقطة الحضيض، فيبدو أكبر بنسبة 14% وأكثر سطوعًا بنسبة 30% مقارنة بحالته عند "الأوج"، رغم أن تمييز هذه الفروق الدقيقة بالعين المجردة يتطلب خبرة ومهارة في الرصد.
ولفت النظر إلى أن الأرض تدور حول الشمس في مدار إهليلجي، وتكون في الحضيض الشمسي عند الساعة 8:15 من مساء يوم السبت 3 كانون الثاني 2026 بتوقيت الأردن، وعلى مسافة تقارب 147 مليون كيلومتر.
وأوضح السكجي أن تسمية "قمر الذئب" تعود إلى تراث ثقافي استمده الأوروبيون من التقاليد الأنجلوسكسونية والكلتية القديمة ونقلوه إلى أميركا الشمالية، حيث كان عواء الذئاب يشتد في هذا الوقت من العام، فيما تختلف التسميات في الثقافات الأخرى، إذ يسميه الكلت "قمر البقاء في المنزل" أو "القمر الهادئ"، بينما يطلق عليه السكان الأصليون لأمريكا "القمر القاسي" أو "قمر المركز".
وبيّن أن علم سلوك الحيوانات يوضح أن العواء المكثف في شهر كانون الثاني يرتبط ببداية موسم التزاوج ونشاط التواصل لتحديد مناطق النفوذ وجمع أفراد القطيع، وأن رفع الذئاب رؤوسها نحو السماء لا يعني عواءً موجهًا للقمر، بل يُعد آلية فيزيائية تساعد على انتشار الترددات الصوتية لمسافات أبعد في الهواء البارد.
لماذا يبدو القمر أحمر عند الأفق؟
وقال مدير التدريب في المركز الإقليمي لتدريس علوم وتكنولوجيا الفضاء لغرب آسيا قيس العمري إن أشعة الشمس تعبر أثناء مسارها في الغلاف الجوي للأرض بعدة عمليات فيزيائية، أبرزها ظاهرة التشتّت، التي تجعل الشمس تبدو حمراء وقت الشروق والغروب، نتيجة تشتّت الأطوال الموجية القصيرة كاللونين الأزرق والبنفسجي، مقابل نفاذ الأطوال الموجية الأكبر كالأحمر والبرتقالي بفعالية أعلى.
وأوضح العمري أن بعض الأشعة تتعرض للانكسار أثناء عبورها الغلاف الجوي، فيصل إلى القمر ضوء مصفّى غني بالألوان الطويلة، فيكتسب لونًا نحاسيًا قاتمًا أو أحمر داكنًا يُعرف في التراث بـ"القمر الدامي"، وهو السبب في ظهور القمر باللون الأحمر أو البرتقالي عند الأفق، مضيفًا أن كبر حجم القمر قرب الأفق يعود إلى ظاهرة "خداع القمر"، إذ يبقى قطره الزاوي ثابتًا تقريبًا بينما يدركه الدماغ أكبر مقارنة بالأجسام القريبة.
أربعينية وخمسينية الشتاء
قال المختص بالتراث الفلكي في الجمعية الفلكية الأردنية إبراهيم خضر الدعجة إن هذا البدر العملاق يحدث خلال فصل الشتاء، وخصوصًا في فترة المربعانية، وهي تمتد 40 يومًا تبدأ مع الانقلاب الشتوي في 21 كانون الأول 2025، وتليها خماسينية الشتاء التي تمتد 50 يومًا حتى الاعتدال الربيعي في 20 آذار 2026.
تقسيم "السعود" والأنواء العربية
وأوضح الدعجة أن خماسينية الشتاء تُقسم إلى أربعة أجزاء متساوية تقريبًا هي: سعد الذابح، سعد بلع، سعد السعود، وسعد الخبايا، وترتبط بالتقويم النجمي وعلم الأنواء عند العرب، لافتًا إلى أن فترات هذه "السعود" تختلف بحسب الموروث الشعبي ومواقع الرصد.
وأشار إلى أن أهل البادية اعتمدوا منذ القدم على اقتران عنقود الثريا بالقمر لتحديد المواسم، ومن أمثالهم "قران حادي برد بادي"، الذي سيقع في 31 كانون الأول 2025 ويمكن مشاهدته من سماء الأردن، إضافة إلى أمثال أخرى مثل "قران تاسع برد لاسع" و"قران خامس ربيع طامس"، موضحًا أن هذه الاقترانات ارتبطت بأمثال سجعية معروفة في التراث العربي.
سداسيّ الشتاء: خريطة نجوم الشتاء
قال المحاضر والراصد الفلكي في الجمعية الفلكية الأردنية عدلي الحلبي إن سداسيّ الشتاء هو شكل سماوي غير رسمي يتكوّن من ستة نجوم لامعة تُرى بوضوح في ليالي الشتاء، ويُعد دليلًا بصريًا للتعرّف على السماء، موضحًا أن السداسي يضم العيوق، الشعرى اليمانية، الشعرى الشامية، رأس التوأم المؤخر، الدبران، ورِجل الجبّار، ويمكن رسم خطوط وهمية بينها لتشكيل سداسي واضح يسهل تتبّعه.
شهب الرباعيات تضيء مطلع العام
وقال عضو الجمعية الفلكية الأردنية رضوان أبو هلاله إن زخة شهب الرباعيات تُعد من أوائل الظواهر الفلكية البارزة في بداية العام، وتبلغ ذروتها بين السبت 3 كانون الثاني والأحد 4 كانون الثاني 2026، فيما تمتد فترة نشاطها من 28 كانون الأول حتى 12 كانون الثاني.
وأوضح أبو هلاله أن الراصدين في الأردن قد يشاهدون ما يصل إلى 80 شهابًا في الساعة في حال توفرت ظروف رصد مثالية، مشيرًا إلى أن اسم الرباعيات مشتق من كوكبة الربع الجداري المنقرضة التي حُذفت من قائمة الكوكبات الرسمية عام 1922، وأن الزخة ترتبط بالكويكب 2003 EH1 الذي يخلّف حزامًا من الغبار، وعند عبور الأرض هذا الحزام يتشكل العرض الشهابي المعروف بزخة شهب الرباعيات.



